في خبرٍ لافتٍ في شهر أغسطُس 2008 نشرتْ صحيفةٌ جزائريَّة خبرًا، تَضمَّن شكوى من أهالي إحْدى المناطق الجزائريَّة، بوجود كمِّيَّات كبيرة من الأدوات المدرسيَّة عليْها صُلبان، وهو خبرٌ أعادَ لذِهْني خبرَ تَحويل الحكومة الجزائريَّة مَجموعةً من المنصِّرين للمُحاكمة؛ بتهمة نشْر التَّنصير والدَّعوة إليه في المناطق الشعبيَّة الفقيرة في الجزائر.
حقًّا إنَّه غريبٌ ولافت جدًّا ما يَحدث في الوطن العربي، الذي أصبح جسدًا ضعيفًا جدًّا، وعَدِم المناعةَ تمامًا، حتَّى أصبحتْ كلُّ الفيروسات الضعيفة والأوبِئة والأمراض، تُهاجمه بدون حساب، ولا خوفِ عقاب.
ومن ذلك وباء التَّنصير، الذي عرفه المسلِمون عبر تسلُّله إلى المسلمين في أفريقيا عدا الشمال الأفريقي العربي، وفي آسيا في جنوب شرق آسيا، وخاصَّة في أندونسيا، واستطاع وباءُ التَّنْصير التَّسلُّل إلى هؤلاءِ المُسلِمين عبْرَ مطيَّتَيْن: الجهل والفقْر.
ففي أندونسيا البالغ عدَدُ سكَّانِها 225 مليون، 90% منهم مسلمون، و 7% فقطْ نصارى، استطاع وباءُ التَّنصير أن يتمكَّن من قلَّة شاردة ضائعة مُعدمة - وبِمعاونة المجتمع الدولي - وينفصِل بِجزيرة تيمور الشرقيَّة؛ لتصبحَ دولةً نصرانيَّة في بحر الجزُر الأندونيسيَّة المُسلمة.
وفي العقْد الأخير ظهرتْ مَوْجةُ وباءٍ تنصيري متَّجهة إلى البلاد العربية؛ مستغلَّة عقدة الإسلاموفوبيا، خاصَّة بعد 11 سبتمبر، وتَحتَ ستار اضطِهاد الأقلِّيَّات والاضطِهاد الدِّيني، الذي تُلَوِّح به أمريكا للتَّدخُّل في أي دولةٍ في العالم، شهِدت البلادُ العربيَّة مناطقَ وجودٍ لوباءِ التَّنصير في البِلاد العربيَّة الإسلاميَّة التي كانتْ مُحصَّنةً ضدَّ التَّنصير، وكانت أشهر بؤر التَّواجُد في المغرب العربيِّ والسودان.
ومن أهمِّ الوقائِع المُلْفِتة في هذا الشَّأن: كانت واقعة خطْف الأطفال في دارفور بالسُّودان، بواسطة فرنسيِّين لحساب جمعيَّة تنصيريَّة تبيع الأطفال للأُسَر الفرنسيَّة بِمبلغٍ مالي، وتمَّ القبضُ عليْهِم في تشاد في فضيحةٍ مدوِّية.
وفي المغْرِب العربيِّ: الحديثُ يدورُ علنًا في الجزائِر والمغْرِب وتونس عن التَّنصير، حتَّى تدخَّلت الحكوماتُ والبرلمانات في تِلْك البِلاد، وقُبِض على مَجموعةِ منصِّرين في الجزائر، وتَمَّ تَحويلُهم إلى المحاكمة.
والوباءُ التنصيري يستخدِمُ عدَّة وسائل لنشْر الوباء، من أهمِّها الآن: الإنترنت عبْرَ آلافِ المواقِع الإلكترونيَّة التي تعمل على مُحاولة اصطِياد أيِّ شاردٍ فقيرٍ جاهلٍ من المُسلِمين، حتَّى وصلَ الأمر إلى وضْع كنيسة على الإنترنت بالسعوديَّة، وتوْزيع الإنجيل والأقْراص المدمَجة التي تدعو للنَّصرانيَّة في شوارع العِراق، وطباعة (الصُّلبان) على الأدوات المدرسيَّة بالجزائر.
وإزاء سلبيَّة الحكومات العربيَّة زادتْ مواقعُ التَّنصير على الإنترنت بِمعدل 1200 %، وأيضًا تستغلُّ حالة ضياع الهويَّة والجهْل الشديد عند كثيرٍ من الشَّباب العربي، وتعلُّقهم بالغرب، ورغْبة الشَّباب في السَّفر للخارج للبحْثِ عنِ المال - في اصطِيادهم، وأيضًا يتمُّ الاصطِياد عبر الجنس.
وقد وصل وباءُ التَّنصير إلى منطِقة الخليج العربيِّ المحصَّنة بالإسلام، عبر غُرَف "البالتوك" والرَّسائل البريديَّة والمجموعات البريديَّة، وظهر موقع "ملْتقى مسيحيي الخليج" الذي يزعُم كذبًا أنَّه نشأ بِسبَبِ اعْتِناق عددٍ مُتزايدٍ من المُسلمين الخليجيِّين للنصرانيَّة، وقد وصل تنامي التَّنصير عبْر الإنترنت إلى إنشاء "اتحاد التنصير عبر الإنترنت"، والذي يعقِدُ مؤتَمرًا سنويًّا عامًّا يَحضُره ممثِّلو الإرساليَّات التبشيريَّة.
ولأنَّ وباء التَّنصير هدفُه مكَّة، ويُمنّيه الشيْطان بِحُلم بناءِ كنائسَ في مكَّة المكرَّمة أو أيِّ بُقعة في الأراضي المقدَّسة، فقدْ أطلقوا أحدَ المواقِع على الإنترنت تَحت اسم: "كنيسة مكَّة"؛ حيثُ يوجد بالموقِع "كنيسة يسوع المسيح بالسعودية" - بِحَسب كذِبِهم المفضوح - ويُعْلِن الموقعُ أنَّ هدفَه بناءُ كنيسة بِمكَّة، ويقولون: "بِما أنَّنا مَمنوعون من بِناء الكنائس، ودخول بعْضِ المُدُن، فإنَّنا نفتَحُ هذه الكنيسة على الإنترنت".
ولا يَخفى ظهورُ عددٍ كبيرٍ من الفضائيَّات النصرانيَّة التي تدعو للتَّنصير علانيةً، بل تَمادى البعضُ منهم في السَّبِّ والطَّعْن في الإسلام والنبيِّ مُحمد - صلَّى الله عليْهِ وسلَّم - والصَّحابة الكِرام.
أمَّا في مِصْر، فالمشكلة معقَّدة بالاستقواء القبطي النصراني بالغَرب، وتَحتَ الرَّماد احتِقانٌ لا يَخفى، يظهَرُ كلَّ حينٍ على هيْئة ما يُسمَّى: "مشاكل طائفيَّة"، وهو عنوانٌ يُخْفِي وراءه الكثيرَ من خلفيَّات أزمةٍ عميقة في مصر الإسلاميَّة، صاحبة الدَّور التَّاريخي في حِماية الإسلام، والحصن القوي للدِّفاع عن الإسلام.
ويبقَى أنَّ مواجهة التَّنصير لم تَرْقَ الجُهود المبذولةُ فيها إلى المطلوب، لكِنْ لا يُنْكَر أنَّ كثيرًا من المسلِمين المحتَسِبين يقومون بِجُهدٍ جبَّار في مُواجهة التَّنصير، يفوق جهْدَ دول مُجتمِعة، وذلِك بفضْل إخلاصهم، فهم يستغلُّون الإنترنت أفضلَ استِغْلال، ويدحضون شُبُهاتِ النَّصارى وافْتِراءاتِهم بِسلاسة ووضوح، وفي غُرَف "البالتوك" لهم اليد العُلْيا - بفضل الله - حتَّى إنَّ كثيرًا منَ النَّصارى يتهرَّبون من مُناقشتِهم.
لكنَّ الأمرَ جللٌ خطيرٌ، والتَّنصير وراءَه إمكانيَّات جبَّارة يقودُها الفاتيكان علانيةً، والأموالُ تتدفَّق على المنصِّرين مِمَّا يدعو جَميع المُسلمين في العالم - حكوماتٍ وشعوبًا - إلى الانتِباه واليقظة، والتَّشمير عن ساعِد الجِدِّ وبذْل الجهود والإمكانيَّات؛ لمواجهة ذلك الوباء - التنصير - كما تُبْذَل الجهود لمكافَحة الأوبِئة: كالملاريا والكوليرا وغيْرِها، كذلك التَّنصير وباءٌ يَحتاجُ إلى جهودٍ كبيرةٍ، ودعْمٍ كبير؛ لتطعيمِ المُسلمين الجهَّال الفُقراء ضعيفِي المناعة بِمصْل العِلْم والتقوى، وأيضًا المال؛ كي يواجه ذلك الوباء بكلِّ قوَّة، ويدحره إلى غيْرِ رجْعة.
وأخيرًا، كلُّ أعداء الإسْلام بكافَّة أشكالِهم يُحارِبون الإسلام والمسلمين، فمتى يستفيقُ أبناءُ المسلمين من غفلَتِهم ويقاومون العدوان؟
فالتَّنصير - بالمال والفاتيكان والطُّغيان الأمريكي - يغزو بلادَ المسلمين بعقيدةِ الشرك، فهلمُّوا - أيُّها الموحِّدون - لجهادِ الشِّرْك بكل ما تستطيعون من مالٍ ودعوةٍ وحجَّة وبيانٍ، والله المستعان.
ممدوح اسماعيل محام وكاتب