الجـــواب :
أن هذا القول حق لا ريب فيه ، ولكن توجيهه إلى أهل السنة هو الخطأ ، فالذي يمزق شمل الأمة ، ويهدم الأمة من الداخل (عقيدة وشريعة) هم " الشيعة الروافض " ـ كما مر بيان ذلك ـ ، فإن كان صاحب هذه الشبهة من المنصفين الجادين في الإصلاح ، فعليه التوجه إلى منتديات " الشيعة الروافض " ويحثهم على عدم سب الصحابة ، وإهانة حملة أمانة هذه الأمة ، والكف عن رمي أمهات المؤمنين بالكفر والزنا ، وإخلاص توحيدهم لله بنبذ الشركيات في أدعيتهم وتوسلاتهم وذبحهم ونذرهم.
ثم هل أعراض هؤلاء المبتدعة المضلون ، الأفّاكون المكذبون أجل عندك من أعراض أمهات المؤمنين والخلفاء الراشدين يا أيها الحبيب ؟!!.
ثم الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبرنا بأن الله كتب على هذه الأمة بأنها ستفترق إلى ثلاثة وسبعين فرقة ، كلها في النار إلاَّ واحدة وهي " أهل السنة والجماعة " . فالفرقة والشقاق بين بعض المنتمين لهذه الأمة من أقدار الله الكونية ، واقرأ إن شئت قول الله تعالى : قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (الأنعام:149) .
2ـ أيضًا يزعم البعض بأن الشيعة أهل الخنادق ، وأهل السنة أهل الفنادق ، فهاهم الشيعة الروافض يثخنون في أعداء الله الصهاينة ، فأخرجوهم من جنوب لبنان ، بينما أهل السنة أغلبهم نيام ، وأصحاب شهوات لهو وخيام ، وما " حزب الله " وعلى رأسها " حسن نصر الله " عنا ببعيد!!.
الجــــواب :
المشكلة أن الكثير ممن يتبنى هذه الشبهة قد علم شيئًا وخفت عنه أشياء ، فقد خفت عنه الخلفية العقائدية والتاريخية للشيعة الروافض .
فالواجب على الباحث عن الحق أن يُلم بجميع جوانب القضية ؛ ليسلم فكره من المغالطات الشنيعة .
أما بخصوص " حزب الله " وقائده " حسن نصر الله " ، فللأسف تخاذلنا نحن أتباع " أهل السنة " هو الذي صنع مثل هذه الحركات والشخصيات ، فقد أخلينا لهم الساحة ، فسطع نجمهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فإن كنا نطلب الحق ، فعلى صاحب هذه الشبهة حث أتباع " أهل السنة " إلى النهوض من سباتهم ، ونفض التراب عن أكتافهم ، ونبذ الخلاف فيما بينهم .
ثم عند التأمل جيدًا في تاريخ الأمة وحاضرها نجد أن صاحب هذه الشبهة وقع في مغالطات كثيرة :
1 ـ منذ متى و" الشيعة الروافض " يحملون راية الجهاد ضد أعداء الأمة ؟! .
فهل تعلم أيها الحبيب أن " الشيعة الروافض " يعتبرون جميع الحكومات الإسلامية من يوم وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى هذه الساعة ـ عدا سنوات حكم عليّ بن أبي طالب ـ حكومات غير شرعية ، ولا يجوز لشيعي أن يدين لها بالولاء ، والإخلاص من صميم قلبه ، وإنما هي المداهنة والتقية !!.
فجميع الحكام من أبي بكر الصديق مرورًا بصلاح الدين الأيوبي وجميع الذين فتحوا للإسلام ممالك الأرض ، وقهروا أعداء الله من التتار والصليبيين حتى حكام اليوم كل هؤلاء في عقيدة " الشيعة الروافض " حكام متغلبون ، ظالمون ، ومن أهل النار !!.
والسر في ذلك أن الحكام الشرعيون عندهم هم الأئمة الاثنى عشر وحدهم ، سواء تيسر لهم مباشرة الحكم أو لم يباشروه !!.
فلما لم تتحقق نظريتهم في التاريخ كما كانوا يرجون ، فقد أضافوا نظرية الرجعة ، ومعناها أن آخر أئمتهم ويُسمّى " القائم " سيقوم في آخر الزمان . ويخرج من السرداب يذبح جميع خصومه السياسيين ، ويعيد إلى " الشيعة الروافض " حقوقهم التي اغتصبتها الفرق الأخرى عبر القرون!!.
2 ـ ثم خيانات وغدر ابن العلقمي التي سطرها لنا التاريخ في صحيفة " الشيعة الروافض " السوداء خير شاهد على خبث هذه الفرقة عبر القرون والعصور ، فقد قابل بالخيانة والغدر تسامح الخليفة المستعصم وكرمه باتخاذه إياه وزيرًا له .
والعجيب أن الروافض إلى اليوم يتلذذون بالشماتة بما حل على أهل السنة من نكابات التتار ، ومن شاء التوثيق فليقرأ ما سطرته أيديهم عند ترجمتهم للهالك " نصير الطوسي " ـ قاتله الله ـ شيخ الشيعة وقتئذ ، حتى في آخر كتبهم في التراجم "روضات الجنات" للخونساري ص 579 ، فقد شحنه بمدح السفاحين والخونة ، والشماتة بما وقع لأهل السنة .
نفوس مشحونة بالبغض والكره ، فطمت على الحقد ، وترعرعت على الغدر والخيانة .
وهم يشبهون الحرباء في تلوين جلودهم حسب ظروف البيئة التي تحيط بهم ، فمتى قويت شوكة أهل السنة في بلد انخنسوا واستعملوا " التقية " ، وتباكوا كالتماسيح ، وتوسلوا في طلب الرحمة .
ومتى ضعف أهل السنة في بلد وكان للكافر الخارجي قوة ، رفعوا رأسهم عاليا ، وكانوا أنصاره وجنوده المخلصين ، وأذلوا أهل السنة كلما سنحت لهم الفرصة ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ ، وما اتفاق " شيعة أمل " في لبنان مع " حزب الكتائب " الماروني على ذبح الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية أبان حرب لبنان ليس عنا ببعيد فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (الحشر:2) .
3 ـ أيضا قتال الشيعة لليهود في لبنان ودعم إيران لهم ليس هو من قبيل الحسبة لله تعالى كما هو الحال عندنا ، ولكنهم يقاتلون اليهود من باب تعجيل خروج مهديهم من جحره أو سردابه الذي لا يتحقق إلا بتحرير القدس واندحار اليهود ، وقد سمعتُ ذلك من " حسن نصر الله " نفسه ـ أعني وجه قتالهم اليهود من أجل خروج المهدي ـ ، فحقيقة قتالهم ـ وأعني بذلك ما يعتقده خاصتهم لا عوامهم ـ ليس نصرة لأهل السنة في فلسطين ، ولكن ذلك حدث من باب التوافق والتقاء المصالح، كما التقت مصلحة الأمريكان مع المجاهدين الأفغان إبان حرب الدب السوفياتي .
4 ـ أيضا كما قلتُ سابقا لنتأمل دور الشيعة الروافض في لبنان يوم كان الناطق باسمهم "حزب أمل" ماذا فعلوا بأهل السنة في المخيمات الفلسطينية ؟ .
لقد كان القتل على الهوية ، وذلك عندما قويت شوكتهم كشروا عن أنيابهم ، فتحالفوا مع الكتائبيين (المارون) في ذبح أهل السنة ، فمن كانت هويته فلسطينية قتلوه ، ومن كانت هويته شيعية أو نصرانية تركوه !!.
أما بعد ظهور "حزب الله" ، فبلا ريب نجد مواقفه أقرب لمناصرة الفلسطينيين ليس عقائديًا ولكن تكتيكيًا وسياسيًا كما بينته آنفا .
5 ـ وأيضًا لا يخفاكم أن دولة إيران الرافضية تحمي وتدعم حزب الله لتقوية الشيعة في هذا الجزء الهام من العالم ، فهي تنفق بسخاء على الحوزات والمنح التعليمية ، ففي خلال فترة يسيرة من بعد الانقلاب على الشاه بذلوا كل جهدهم في دعوتهم حتى صارت ميزانية الدعوة والإرشاد عندهم في المرتبة الثانية بعد ميزانية الجيش، وبثوا عددا من القنوات الفضائية بعدة لغات وأشهرها وأقواها تأثيرا في نفوس عوام المسلمين من أهل السنة الناطقين باللغة العربية "قناة المنار اللبنانية" التابعة لحزب الله . وقد فتن بهم الكثير من أبناء الأمة من المغرب إلى الفليبين بسبب دغدغتهم لعواطف المسلمين الجياشة ، واستغلالهم للأحداث في دعوتهم . فهؤلاء نجحوا في إبلاغ باطلهم ، ونحن أخفقنا في إبلاغ الحق ، فالخلل عند التأمل في أسلوب دعوتنا نحن.
وأخيرًا بلا ريب أننا نطمع في هداية الشيعة وجميع البشرية ، وليس ذلك على الله بعزيز قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (الأنعام:149) . فقد اهتدى من هو أخبث منهم في العقيدة في عصرنا الحاضر من المذاهب المبتدعة والملحدة كالإسماعيلية ، وصاروا من دعاة أهل السنة بين قومهم ، ومن يعرف تفاصيل المذاهب يدرك أن الشيعة الإمامية أقرب لأهل السنة من الدروز ، والنصيرية ، والإسماعيلية ، والقرامطة .
كما أن زيدية في اليمن أقرب لأهل السنة من الإمامية .
وكذلك الأباضية في عُمان وجنوب الجزائر أقرب لأهل السنة من الجهمية والمعتزلة .
والنصارى البرتستانت أقرب للمسلمين من الكاثوليك ، والنصارى في الجملة أقرب للمسلمين من اليهود من وجه ، واليهود أقرب للمسلمين من وجه آخر ، وهذا تفصيله يطول ليس هذا موضع بحثه، ولكن المقصود أن ننبه إلى أن القرب نسبي لا يستلزم منه إمكان "التقارب المزعوم" .
إن الشيعة الروافض يشترطون علينا ـ أيها العقلاء ـ للتفاهم معهم ، ولرضاهم عنا ـ وهو ما يُسمّى "التقريب" ـ أن نلعن معهم أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأن نتبرأ من أمهات المؤمنين ، وأن ننبذ سنة نبينا وراء ظهورنا ، وأن نجعل من توحيدنا شركًا ، ومن تاريخ أجدادنا وزرًا !!.
فهل أنتم يا أهل السنة قائلون بذلك إرضاءً للروافض ، وللتقريب بينكم وبين أحفاد ابن العلقمي والطوسي ؟! .
اللهم إني بلغت ، اللهم فاشهد .